[ تندرج هذه القصائد ضمن ملف "الموجة الجديدة في الشعر السوري (أثر الحرب)" الذي ستقوم جدلية بنشره على مدار الأسبوعين القادمين ]
كهف الشعر
يوماً ما سأهديكَ بيتي ؛
بالموجِ المسدلِ على نوافذهِ ,
بنوارس الغنج تطير بين غرفه
بزوارق العشق ترسو في حديقته ..
و ستهديني بيتكَ ,
بالجبل المستلقي على شرفته ,
بغزلان البهجة تقفز من جدرانه ,
بنبع السلام الدافق من صالته ..
لكنّ طبْعي ينبىءُ
بأني سأشكو افتقاد الدغل المثير
و الذئاب المخيفة في بيتك الطيب
و طبْعُك يؤكّد
بأنك ستتذمر
من غياب القراصنة و أسماك القرش عن بيتي الحنون
و بطيب خاطرٍ
سوف نهجر البيتين
و سنرجع
لنعيش معاً في كهفِ الشِّعر :
ذاك الذي اختبأنا فيه
خلال الحرب ..
الوطن صديقي على الفيس بوك
الوطنُ صديقي على الفيس بوك ,
أبدأ صباحي دوماً بقراءة منشوراته .
رائقَ الطباع كان قبل أعوامٍ ؛
ينشرُ على حباله الأغاني والزرازير ..
نزقاً صارَ ؛
يشتم و يبكي كثيراً
يكتبُ فيرتكب الأخطاء ؛
أمس – مثلاُ - رفعَ جثثاً مجرورة
و اليوم، نصب مشانق للآمال ..
...
عندما يضعُ حارةً مهدمة غلافاً
يتشقق بيتي ..
و حين يشاركُ روابط المعارك
أخاف
فأتفقد أطفالي ..
و إلى الآن
ما زال عنقي يوجعني
من صورة تلك السكين ..
الوطن صديقي المزعج على الفيس بوك ,
لا أستطيع حظره والإبلاغ عنه
و لا أدري متى يشفق عليّ
فيحذفني ..
نتأقلم
سوف نظلُّ على ما يرام طالما نتأقلم ؛
ننام على نباح كلب الجيران المرتاب من كل الروائح
نفيق على الرصاص و نحسبه مطراً لطيف النقر على النوافذ
نشرب القهوة بنكهة الألم المندلقة من نشرة الأخبار
نأكل
و لا نصاب بعسر هضم
إذا ما رأينا طفلاً يلتقط كسرات الخبز اليابسة من الشارع
نمسح الدماء عن السكاكين بمبررات باردة
ننظف فوهات البنادق بالتجاهل
نشتري الضحك بسعر أعلى، نبيع الحياء بسعر أقل ..
نتلّقى السّهام السامّة بصدورٍ بلاستيكية
نكتبُ عن حدائق الغاردينيا بين ركام المدن المدمرة
و عن الحرية في السجون
و عن العطاء بأيدٍ مبتورة
نستلهم من الغربان عشق العصافير
و نستخلص من أفاعي الوحشة الدواء
نحبُّ ... نحبُّ ... نحبُّ ...
و لا نتهشّم !
نموتُ مساءً
فندفُن أجسادنا بلا رثاء ..
..
ننفض عن ملابسنا الكوابيس في الصباح،
لنخرج إلى الحياة
بكامل أناقتنا ..
و مثل آلاتٍ متينة الصنع :
نمشي
و نمشي
قُدماً
نحو العدم ..
بينما كنت نائماً
كنت نائماً حين سقطت المدينة عن الرف،
واندلقت في أرضية مطبخي الجيوش و المدرّعات،
خشيتُ أن يوقظكَ الضجيج :
هرعتُ ألملم الشظايا و الأنين،
فغفلتُ عن الغزالة السارحة في سهوب صدرك ..
الغزالة التي نهبتْ من نصيبي فيك سنبلتين وشامة !
كانت عيناك مغمضتين
و سحرك فائقاً
حين دلفتْ فراشةٌ صفراء عبر النافذة،
غرستْ تحت إبطك
راية زهرية و طارتْ،
بعد ذلك بقليل،
أُعلنت إذاعة العصافير
خبراً عن مُستعمرة " الحبق " ! ..
و كنت غالباً تحلمُ بي،
فلقد رأيتُ ابتسامةٌ شهية
تختالُ بغنج على شفتيك،
وددتُ تقبيلك فلم أقدر،
تحتّم عليّ مراوغة الطائرات ؛
أردتُها أن تنقر الحَبّ من يدي
و ترحل دون إزعاجك ..
درّبت الحربَ بعدها على التهجئة : قُبلة ..لا قُنبلة،
كنستُ الركام وخبّاته تحت السجادة،
ابتلعتُ الدخان،
حبستُ خوفي في الخزانة وأتيتُ لأغفو قربك ..
غير أنك استيقظتَ
لمحتَ ذعري و شحوبي،
فبكيتَ ..
أما أنا
ضحكتُ ؛
كانت الراية ما تزال تحت إبطك ..
تذكّرت عندها إذاعة العصافير
و ذلك الخبر اللذيذ
عن مستعمرة الحبق .
حفل الألعاب النارية
حسناً ...
سوف تقع الحرب،
لكنني لن أخاف ؛
لن أجعل أطفالي يخافون منها كذلك ..
سأضمّهم إليّ برفق،
و أخبرهم أنها كذبة
أو خدعة سينمائية ..
و سأحدثهم عن الطيارات المسكينة
التي لا تزقزق كالعصافير
و عن السفن الحربية
التي تعجز عن القفز في الماء مثل الدلافين
سأقول لهم
إن ما يحدث مجرد حفل تنكّري
يلبس الجميع فيه بذّات عسكرية،
وأن كلّ البنادق ,
كلها ..بلاستيكية ..
و سنقوم بعد القذائف
- بدل الخراف -
حتى ننام ..
ثم سنحلم سويّة بفجرٍ جديد
نفيق فيه
على شرائط ملونة،
و بوالين كثيرة ..
وسوف نجمع كثيراً من الأقنعة المضحكة
المرمية في شوارع مدينتنا
أقنعة نسيها الغرباء
لمّا أقاموا
حفلَ الألعاب النارية الكبير ..
و مضوا ..
دون إلقاء التحية !